التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فن التعامل مع السلبيين


كل إنسان في هذه الحياة يصادف أشكالا وأنواعا مختلفة من البشر، منهم من يترك علامة طيبة وإيجابية في حياته. ومنهم من تحمل ذكراه مجموعة من الأحاسيس والمشاعر السلبية التي زرعها بداخل الاخرين عبر أسلوبه في التواصل والحديث المشبع بكلمات التذمر والإحباط والتشاؤم، والتي تقوم بامتصاص الطاقة الإيجابية وجرعة التفاؤل لدى الطرف الاخر واستبدالها بطاقة سلبية تقوم بادخال الفرد في دوامة من الكآبة والقلق.

كما أن احتكاك المرء بشكل متواصل مع هذا النوع من الناس الذين يصنفون ضمن خانة " العلاقات السامة " ،  قد يؤدي به الى فقدان ثقته بنفسه و تقديره لذاته. فيبدأ بالتشكيك في مبادئه ونظرته لمجموعة من الأمور في حياته. وينقسم الأنام في هذه العلاقات الى فئتين: الفئة الأولى والتي تهوى وتتعمد نشر السلبية في محيطها، بحيث أن سعادة الآخرين تشكل نقطة استفزاز توقد نيران الحسد والغيرة بداخلها. ولا تخمد هذه النيران الا بتعاسة وحزن المحيطين بها.  أما الفئة الثانية، فبسبب ظروف عيشها وتجاربها السابقة، تجمعت بداخلها مجموعة من الأحاسيس والمشاعر الخنيقة، التي جعلتها تعيش تحت ضغط نفسي كبير، وهذا ما دفعها للبحث عن شخص يتفهما ويستوعب معاناتها لتقوم بشكل تلقائي بتفريغ كل الشحنات السلبية المتراكمة بداخلها. دون أن تعي أنها بهذا الشكل تستنزف طاقة المتلقي وتسبب له أذى داخليا عميقا.

و حتى يتمكن الفرد من حماية نفسه و الحفاظ على صحته النفسية يجب أن يعي خطورة العلاقات السامة على حياته و توازنها , و من ثم المضي في تعلم فن التعامل مع الناس السلبيين المحيطين به .

وما يجب معرفته هو أن طريقة التعامل تعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة العلاقة التي تجمع كل إنسان بالطرف الآخر. فعندما يتعلق الأمر بشخص لا تجمعنا به أي صلة قريبة أو رابط قوي، ففي هذه الحالة يجب وضع ضوابط وحدود في التعامل والتواصل معه. وذلك بدءا من نوع الأحاديث والمواضيع التي يتم تناولها مع هذا الطرف، والتي يجب أن تكون سطحية قدر الإمكان وبعيدة تمام البعد عن حياتنا الشخصية. فالقاعدة الذهبية التي تجعلنا ننجح في مختلف تعاملاتنا الاجتماعية أساسها إبقاء أي انسان غريب عنا خارج دائرة خصوصياتنا وعدم السماح له بإصدار أحكام على حياتنا أو شخصنا.  كما أنه من المحبب تفادي الحوارات والنقاشات التي تجعلنا ندخل في معركة من التبريرات ومحاولات الاقناع التي لا نخرج منها بأي فائدة بل هي مجرد هدر للجهد والطاقة. فان كانت المسألة لا تمس بكرامة المرء ولا تستوجب التعليق أو الكلام فالأجدر تفاديها وأصحابها قدر المستطاع.

أما بالنسبة للناس الذين تجمعنا بهم أواصر وعلاقات قريبة جدا، بل أساسية في حياتنا كأفراد أسرتنا مثلا. ففي هذه الحالة يجب استحضار الحكمة والمرونة في التعامل معهم. فالنقطة الأولى التي يجب أن نرسخها في أذهاننا و أن نستحضرها في جميع تعاملاتنا هي أنه " لنفسنا علينا حق " . فلا يجب بتاتا أن يتنازل المرء عن حق من حقوق نفسه والذي من شأنه أن يمس بكرامته أو إنسانيته بغرض إرضاء الغير، مهما كانت طبيعة العلاقة التي تجمعه بالطرف الاخر أو الأسلوب والتأثيرات التي يستعملها للضغط عليه. فكسر الانسان لنفسه بسبب ابتزاز عاطفي أو ضغط أسري أو غيره، يعتبر جرما كبيرا واثما في حقها. فلا يحق لأي كائن كان تحطيم انسان أو تجريحه او التدخل بفضاضة في حياته. وهذا المبدأ سائر على مختلف العلاقات في حياتنا مهما كانت طبيعتها.

والنقطة الثانية التي يجب العمل بها هي، السلاسة والذكاء في تغيير وقلب مسار حديثنا مع أحد المقربين الينا، وذلك عندما يتخذ الحوار  اتجاها يؤثر علينا بشكل سلبي ويمس براحتنا وهدوء أعصابنا . فتغيير الموضوع بشكل مرن قد يكون الحل الأمثل لتحريرنا من تلك الشرارات السلبية المتناثرة من حولنا بسبب سياق الحديث دون تجريح الطرف الآخر. إذ أن الناس الذين تجمعنا بهم صلة وعلاقة وطيدة لهم علينا مجموعة من الحقوق، أبرزها الاستيعاب وقت الضيق والنصح والارشاد. لكن طبيعة البشر تختلف من امرء لآخر، فهناك من يكون شديد الحساسية وسريع التأثر بالمشاعر والأحاسيس المنقولة اليه  إيجابية كانت أو سلبية مما قد يلحق به ضررا عميقا ويشعره بألم كبير. لذلك يحبذ التواصل مع المقربين الينا والتحدث معهم عن مختلف الأمور التي تؤذينا أو تزعجنا في علاقتنا بهم فالحوار الواضح يساعد على تقريب وجهات النظر والعمل بشكل تشاركي على تحسين العلاقة والتركيز على إيجاد حلول بدل التعمق في الحديث عن المشاكل فقط. وهكذا يتم الوصول الى أمور نيرة تقوي الرابط بين الطرفين.

وحتى يتمكن الفرد منا من التعامل مع جميع أنماط البشر بقوة وثبات، يجب أن يعمل على رفع مستوى ثقته بنفسه وتقديره لذاته. وذلك عبر تطوير نقاط الضعف في شخصيته والعمل الدؤوب والمستمر على تطوير نفسه دون توقف، حتى يتمكن من سد الثغرات التي قد يستغلها بعض النماذج للتأثير عليه بسهولة. فالإنسان الذي يكون على وعي وثقة بقدراته وإنجازاته ومميزاته يكون محصنا ولا يتأثر بسهولة بالآخرين.

 وكما يوجد في الحياة أنام يعتمون سماء المحيطين بهم بغيوم من السلبية هنالك أناس تنيرها بنور التفاؤل والإيجابية. فهم بمثابة المنبه الرنان الذي يذكرنا في لحظات ضعفنا وانكسارنا، بقيمتنا الحقيقية وقدراتنا الخفية. وهذه هي النماذج التي يجب أن يحيط الانسان بها نفسه. فعلاقاتنا تترك علامة راسخة في حياتنا ويبقى أثرها منوطا بمن نختار قربهم ورفقتهم، لذلك فلنحسن الاختيار.

 

بثينة البحديدي / Boutaina El Bohdidi 

 

 


تعليقات

  1. مقال يستحق القراءة، اسلوب سلس ولطيف، وموضوع يلامس خواطر الجميع.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرهاب الاجتماعي

يعد الرهاب الاجتماعي أو ما يطلق عليه بالقلق الاجتماعي، من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارا في العالم. فالعديد من الناس يخوضون معارك يومية مع هذا المرض، دون أن يدركوا ماهيته وحقيقته. وهنالك من يخلط بينه وبين الخجل المفرط أو التوتر العابر. لكن ما هو التعريف الحقيقي للرهاب الاجتماعي وما هي الأعراض التي تمكننا من اكتشافه وتشخيصه؟ الرهاب الاجتماعي، هو مرض نفسي ينتج عنه هالة من القلق والخوف اللذان يتملكان كيان الإنسان  ويسيطران على عقله. وهذا ينعكس تلقائيا على سلوكه وتصرفاته خاصة في المواقف التي تجعل منه محط أنظار الناس وعرضة لتقييمهم وانتقاداتهم. لذلك نجد المصابين بالرهاب الاجتماعي، يتفادون بشكل دائم اللقاءات والتجمعات التي تجعلهم في احتكاك مباشر مع الاخرين. متجنبين أيضا التعبير عن آرائهم وخوض نقاشات أو أحاديث معهم، وإن وضعوا في موقف يتطلب منهم الكلام أمام الناس، انعكس القلق والتوتر على أسلوبهم التعبيري. فتصبح لديهم صعوبة في التعبير بطلاقة والتحدث بطريقة واضحة، حتى أن وتيرة الكلام لديهم تصبح سريعة جدا وغير مفهومة. وتظهر على أصحاب الرهاب الاجتماعي أعراض أخرى على المستوى ال

دوامة الأعذار

الأعذار! تلك المتاهة التي يلجأ إليها المرء بمحض إرادته، يوم يقرر بقناعة تامة، أنه ضعيف وغير قادر على مجابهة نظرات المجتمع له، أو الحد من تطاول ألسنة الناس اللادغة التي تخنقه بكلمات السخرية والاستهزاء، بسبب تجربة فشل صادفت دربه أو التشفي من جرح علم حياته في لحظة من لحظات ماضيه. فالثغرات الموجودة في شخصيته وانعدام تقديره لذاته، جعلاه منكسرا أمام مجتمع انعدمت فيه الرحمة والرأفة بحال الغير. فيبقى ملاذه الوحيد هو الأعذار، التي يتخذ منها حصنا لحمايته من رماح كلام الناس القاتل، أو لعله يكون سبيلا لتليين قلوبهم وكسب تعاطفهم، حتى يقوموا بالتغاضي عن حاله، وتركه ودوامة أعذاره بسلام. لكن شعور السلام الداخلي هذا، لا يطول استشعاره ممن يحتمي تحت ظلال الأعذار، ففي بادئ الأمر ينعم بطمأنينة وسكينة تريح خاطره، لكن بعد ذلك تتحول هذه المشاعر إلى فرامل تحول بينه وبين تطوير ذاته، وخروجه من منطقة الراحة الوهمية.   فالحياة ليست جنة نعيم، بل هي لعبة مليئة بالمفاجآت والتحديات الصعبة التي لا يتحمل قساوتها أصحاب النفوس الهشة. فهي تتطلب قوة تحمل وحكمة تجعل من تجارب الماضي مهارة تزكي حاضر المرء ومست

أزمة ربيع العمر

          في عصرنا هذا أضحى العديد من الشباب في فترة العشرينات والثلاثينات من عمرهم يعانون من اضطرابات وأمراض نفسية متعددة. وذلك نتيجة الضغوطات التي يفرضها  المجتمع عبر سنه خطا معينا وجب على أي شاب إتباعه. ألا وهو ولوج جامعة عريقة يليه الحصول على شهادة عليا ومن ثم تحصيل وظيفة ذات راتب مهم يؤمن له معايير العيش الهني. وأخيرا الانتقال الى مرحلة تأسيس عش الزوجية الذهبي وإنجاب أطفال يترعرعون وفق نفس الأفكار ومنهجية العيش الرتيبة التي فرضها مجتمع لم يعطي أهمية لقيمة المرء وجوهره، مما أدى الى تدمير كيان عدد كبير من الشباب وتحطيم ثقته بنفسه وقدراته وذلك بسبب المقارنة بالغير وإهانة تفرده واختلافه الخلاق الذي يميزه عن محيطه علما أن أكثر ما يدمر الانسان هو التقليل من قدراته وتحقير قيمته ووضعه دائما محط مقارنة تقلل من شأنه وقدره. ولكي يتمكن المرء من تخطي مجموع الأفكار السلبية والبرمجة المسبقة التي ترسخت في ذهنه والمضي قدما في حياته لتحقيق ما يطمح إليه وجب عليه إدراك قدراته الخفية الكامنة بداخله. فكل إنسان يملك هبة دفينة بداخله تنتظر اللحظة التي يتخذ فيها القرار لإيقاظها والوعي لأهميتها و