كل إنسان في هذه الحياة يصادف أشكالا وأنواعا مختلفة من البشر، منهم من يترك علامة طيبة وإيجابية في حياته. ومنهم من تحمل ذكراه مجموعة من الأحاسيس والمشاعر السلبية التي زرعها بداخل الاخرين عبر أسلوبه في التواصل والحديث المشبع بكلمات التذمر والإحباط والتشاؤم، والتي تقوم بامتصاص الطاقة الإيجابية وجرعة التفاؤل لدى الطرف الاخر واستبدالها بطاقة سلبية تقوم بادخال الفرد في دوامة من الكآبة والقلق.
كما أن احتكاك المرء بشكل متواصل مع هذا النوع من الناس
الذين يصنفون ضمن خانة " العلاقات السامة " ، قد يؤدي به الى فقدان ثقته بنفسه و تقديره
لذاته. فيبدأ بالتشكيك في مبادئه ونظرته لمجموعة من الأمور في حياته. وينقسم
الأنام في هذه العلاقات الى فئتين: الفئة الأولى والتي تهوى وتتعمد نشر السلبية في
محيطها، بحيث أن سعادة الآخرين تشكل نقطة استفزاز توقد نيران الحسد والغيرة
بداخلها. ولا تخمد هذه النيران الا بتعاسة وحزن المحيطين بها. أما الفئة الثانية، فبسبب ظروف عيشها وتجاربها
السابقة، تجمعت بداخلها مجموعة من الأحاسيس والمشاعر الخنيقة، التي جعلتها تعيش
تحت ضغط نفسي كبير، وهذا ما دفعها للبحث عن شخص يتفهما ويستوعب معاناتها لتقوم
بشكل تلقائي بتفريغ كل الشحنات السلبية المتراكمة بداخلها. دون أن تعي أنها بهذا
الشكل تستنزف طاقة المتلقي وتسبب له أذى داخليا عميقا.
و حتى يتمكن الفرد من حماية نفسه و الحفاظ على صحته
النفسية يجب أن يعي خطورة العلاقات السامة على حياته و توازنها , و من ثم المضي في
تعلم فن التعامل مع الناس السلبيين المحيطين به .
وما يجب معرفته هو أن طريقة التعامل تعتمد بالدرجة
الأولى على طبيعة العلاقة التي تجمع كل إنسان بالطرف الآخر. فعندما يتعلق الأمر
بشخص لا تجمعنا به أي صلة قريبة أو رابط قوي، ففي هذه الحالة يجب وضع ضوابط وحدود
في التعامل والتواصل معه. وذلك بدءا من نوع الأحاديث والمواضيع التي يتم تناولها
مع هذا الطرف، والتي يجب أن تكون سطحية قدر الإمكان وبعيدة تمام البعد عن حياتنا الشخصية.
فالقاعدة الذهبية التي تجعلنا ننجح في مختلف تعاملاتنا الاجتماعية أساسها إبقاء أي
انسان غريب عنا خارج دائرة خصوصياتنا وعدم السماح له بإصدار أحكام على حياتنا أو شخصنا. كما أنه من المحبب تفادي الحوارات والنقاشات
التي تجعلنا ندخل في معركة من التبريرات ومحاولات الاقناع التي لا نخرج منها بأي
فائدة بل هي مجرد هدر للجهد والطاقة. فان كانت المسألة لا تمس بكرامة المرء ولا
تستوجب التعليق أو الكلام فالأجدر تفاديها وأصحابها قدر المستطاع.
أما بالنسبة للناس الذين تجمعنا بهم أواصر وعلاقات قريبة
جدا، بل أساسية في حياتنا كأفراد أسرتنا مثلا. ففي هذه الحالة يجب استحضار الحكمة والمرونة
في التعامل معهم. فالنقطة الأولى التي يجب أن نرسخها في أذهاننا و أن نستحضرها في
جميع تعاملاتنا هي أنه " لنفسنا علينا حق " . فلا يجب بتاتا أن يتنازل
المرء عن حق من حقوق نفسه والذي من شأنه أن يمس بكرامته أو إنسانيته بغرض إرضاء الغير،
مهما كانت طبيعة العلاقة التي تجمعه بالطرف الاخر أو الأسلوب والتأثيرات التي
يستعملها للضغط عليه. فكسر الانسان لنفسه بسبب ابتزاز عاطفي أو ضغط أسري أو غيره،
يعتبر جرما كبيرا واثما في حقها. فلا يحق لأي كائن كان تحطيم انسان أو تجريحه او
التدخل بفضاضة في حياته. وهذا المبدأ سائر على مختلف العلاقات في حياتنا مهما كانت
طبيعتها.
والنقطة الثانية التي يجب العمل بها هي، السلاسة والذكاء
في تغيير وقلب مسار حديثنا مع أحد المقربين الينا، وذلك عندما يتخذ الحوار اتجاها يؤثر علينا
بشكل سلبي ويمس براحتنا وهدوء أعصابنا . فتغيير الموضوع بشكل مرن قد يكون الحل الأمثل
لتحريرنا من تلك الشرارات السلبية المتناثرة من حولنا بسبب سياق الحديث دون تجريح
الطرف الآخر. إذ أن الناس الذين تجمعنا بهم صلة وعلاقة وطيدة لهم علينا مجموعة من الحقوق، أبرزها الاستيعاب وقت الضيق والنصح
والارشاد. لكن طبيعة البشر تختلف من امرء لآخر، فهناك من يكون شديد الحساسية وسريع
التأثر بالمشاعر والأحاسيس المنقولة اليه إيجابية كانت أو سلبية مما قد يلحق به
ضررا عميقا ويشعره بألم كبير. لذلك يحبذ التواصل مع المقربين الينا والتحدث معهم
عن مختلف الأمور التي تؤذينا أو تزعجنا في علاقتنا بهم فالحوار الواضح يساعد على
تقريب وجهات النظر والعمل بشكل تشاركي على تحسين العلاقة والتركيز على إيجاد حلول
بدل التعمق في الحديث عن المشاكل فقط. وهكذا يتم الوصول الى أمور نيرة تقوي الرابط
بين الطرفين.
وحتى يتمكن الفرد منا من التعامل مع جميع أنماط البشر
بقوة وثبات، يجب أن يعمل على رفع مستوى ثقته بنفسه وتقديره لذاته. وذلك عبر تطوير
نقاط الضعف في شخصيته والعمل الدؤوب والمستمر على تطوير نفسه دون توقف، حتى يتمكن
من سد الثغرات التي قد يستغلها بعض النماذج للتأثير عليه بسهولة. فالإنسان الذي
يكون على وعي وثقة بقدراته وإنجازاته ومميزاته يكون محصنا ولا يتأثر بسهولة بالآخرين.
وكما يوجد في
الحياة أنام يعتمون سماء المحيطين بهم بغيوم من السلبية هنالك أناس تنيرها بنور
التفاؤل والإيجابية. فهم بمثابة المنبه الرنان الذي يذكرنا في لحظات ضعفنا وانكسارنا،
بقيمتنا الحقيقية وقدراتنا الخفية. وهذه هي النماذج التي يجب أن يحيط الانسان بها نفسه.
فعلاقاتنا تترك علامة راسخة في حياتنا ويبقى أثرها منوطا بمن نختار قربهم ورفقتهم،
لذلك فلنحسن الاختيار.
مقال يستحق القراءة، اسلوب سلس ولطيف، وموضوع يلامس خواطر الجميع.
ردحذفشكرا جزيلا لك
حذف