التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شخصيات ألهمتني : المعماري العصامي




شخصيات ألهمتني المعماري العصامي 



عندما نتحدث عن العصامية والتعليم الذاتي في مجال العمارة، لا بد أن يتبادر لأذهاننا اسم " تاداو أندو  Tadao Ando».
المعماري العصامي، الذي واجه الصعاب حتى تمكن من نحث اسمه وسط ألمع المعماريين في العالم. ولد" تاداو أندو"
 عام 1941 م، في اليابان وتحديدا في "أوساكا Osaka "، ترعرع في وسط عائلي جد متواضع. خلال نشأته كان يرتاد كثيرا ورش الحرفيين في منطقته ويتشرب أصول صنعتهم وهذا سينعكس بشكل مهم على مسيرته المهنية فيما بعد.
في سن 17 عاما، امتهن " تاداو" مجال الملاكمة. ورغم احترافه هذا الميدان، لم تنطفئ نيران شغفه اتجاه عالم العمارة. لكن قانون الحياة لا يسهل دائما تحقيق الأمنيات، وفي العديد من الأوقات تجري الرياح بما لا تشتهي سفن الرغبات. فالحالة المادية " لتاداو أندو" آنذاك، لم تتح له الفرصة لدراسة العمارة في الجامعة. لكن رغم هذا كله، لم يتوقف عن مطاردة الفرص لتحقيق مبتغاه.
 فبدل أن يدرس كأي طالب عادي في مدرجات الجامعة، سلك دربا آخرا تكللته صعوبات أكبر، لكن الأهم أن الطريق الذي اختاره أوصله في النهاية لهدفه المنشود.
اعتمد " تاداو " على منهجية التعليم الذاتي لتطوير نفسه، أي أنه علم نفسه بنفسه. وذلك عبر مطالعته مختلف الكتب التي تمكن من تحصيلها مما ساعده على إثراء وتعميق رصيده المعرفي في مجال العمارة. وفي هذه المرحلة سيتعرف من خلال قراءاته على أعمال المعماري العالمي " لوكوربيزييه Le Corbusier ". سينبهر ويتأثر به كثيرا مما سيجعله يتخذ قرار السفر إلى باريس عام 1965 م، قصد ملاقاته شخصيا. وهنا ستشهد حياة "تاداو أندو" نقطة تحول جديدة. فرغم عدم تمكنه من لقاء " لوكوربيزييه " بسبب وفاة هذا الأخير بأيام قليلة قبيل وصول "تاداو أندو" إلى مدينة باريس. لكنه سيتمكن من رؤية وملامسة إبداعاته المعمارية مباشرة، و سيكمل بعدها جولته حول العالم وذلك في كل من أوروبا، أمريكا وأفريقيا. إلى أن يقرر العودة إلى دياره عام 1969 م، ليشرع في تأسيس مكتبه المعماري. لكن انطلاقته الفعلية في المجال العملي ستكون عام 1970 م ومن ثم سيتمكن " تاداو" من التميز بأسلوبه التصميمي الذي يتصف بخلق مزيج متناغم بين الطابع العصري والتقليدي الياباني، مما يعكس بشكل واضح مدى تأثر هدا  المبدع الخلاق بثقافة بلده وهويته. إضافة إلى ذلك فهو لا يركز فقط على البعد الوظيفي للمبنى بل أيضا بعده الحسي وانسجامه مع محيطه البيئي.
توجت مسيرة "تاداو أندو" بالعديد من الجوائز التي تعترف بتميز أعماله، وعلى رأسها جائزة " بريتزكير Pritzker " التي حصل عليها عام 1995م. ومما لا شك فيه أنها شكلت إضافة قيمة، لمساره الحافل بالإنجازات، فهي تعد بمثابة جائزة نوبل في العمارة.
تعتبر حياة "تاداو أندو"، الملاكم البسيط الذي تحول إلى معماري عالمي. مرجعا ملهما ليس فقط للمهتمين بمجال العمارة، بل لكل إنسان واجه صعوبات في حياته وأوصدت الأبواب أمام تحقيق أحلامه. فالعبرة هنا أن بالقوة والعزيمة تكسر سلاسل اليأس وتخلق فرص جديدة. لكن قبل كل شيء، يجب على المرء أن يكتشف مكامن شغفه في الحياة، وأن يسعى وراءه مسلحا نفسه بالعلم والمعرفة، فبهما يرتقي المرء ويزداد علوا في سلم النجاح.
بثينة البحديدي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرهاب الاجتماعي

يعد الرهاب الاجتماعي أو ما يطلق عليه بالقلق الاجتماعي، من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارا في العالم. فالعديد من الناس يخوضون معارك يومية مع هذا المرض، دون أن يدركوا ماهيته وحقيقته. وهنالك من يخلط بينه وبين الخجل المفرط أو التوتر العابر. لكن ما هو التعريف الحقيقي للرهاب الاجتماعي وما هي الأعراض التي تمكننا من اكتشافه وتشخيصه؟ الرهاب الاجتماعي، هو مرض نفسي ينتج عنه هالة من القلق والخوف اللذان يتملكان كيان الإنسان  ويسيطران على عقله. وهذا ينعكس تلقائيا على سلوكه وتصرفاته خاصة في المواقف التي تجعل منه محط أنظار الناس وعرضة لتقييمهم وانتقاداتهم. لذلك نجد المصابين بالرهاب الاجتماعي، يتفادون بشكل دائم اللقاءات والتجمعات التي تجعلهم في احتكاك مباشر مع الاخرين. متجنبين أيضا التعبير عن آرائهم وخوض نقاشات أو أحاديث معهم، وإن وضعوا في موقف يتطلب منهم الكلام أمام الناس، انعكس القلق والتوتر على أسلوبهم التعبيري. فتصبح لديهم صعوبة في التعبير بطلاقة والتحدث بطريقة واضحة، حتى أن وتيرة الكلام لديهم تصبح سريعة جدا وغير مفهومة. وتظهر على أصحاب الرهاب الاجتماعي أعراض أخرى على المستوى ال

دوامة الأعذار

الأعذار! تلك المتاهة التي يلجأ إليها المرء بمحض إرادته، يوم يقرر بقناعة تامة، أنه ضعيف وغير قادر على مجابهة نظرات المجتمع له، أو الحد من تطاول ألسنة الناس اللادغة التي تخنقه بكلمات السخرية والاستهزاء، بسبب تجربة فشل صادفت دربه أو التشفي من جرح علم حياته في لحظة من لحظات ماضيه. فالثغرات الموجودة في شخصيته وانعدام تقديره لذاته، جعلاه منكسرا أمام مجتمع انعدمت فيه الرحمة والرأفة بحال الغير. فيبقى ملاذه الوحيد هو الأعذار، التي يتخذ منها حصنا لحمايته من رماح كلام الناس القاتل، أو لعله يكون سبيلا لتليين قلوبهم وكسب تعاطفهم، حتى يقوموا بالتغاضي عن حاله، وتركه ودوامة أعذاره بسلام. لكن شعور السلام الداخلي هذا، لا يطول استشعاره ممن يحتمي تحت ظلال الأعذار، ففي بادئ الأمر ينعم بطمأنينة وسكينة تريح خاطره، لكن بعد ذلك تتحول هذه المشاعر إلى فرامل تحول بينه وبين تطوير ذاته، وخروجه من منطقة الراحة الوهمية.   فالحياة ليست جنة نعيم، بل هي لعبة مليئة بالمفاجآت والتحديات الصعبة التي لا يتحمل قساوتها أصحاب النفوس الهشة. فهي تتطلب قوة تحمل وحكمة تجعل من تجارب الماضي مهارة تزكي حاضر المرء ومست

أزمة ربيع العمر

          في عصرنا هذا أضحى العديد من الشباب في فترة العشرينات والثلاثينات من عمرهم يعانون من اضطرابات وأمراض نفسية متعددة. وذلك نتيجة الضغوطات التي يفرضها  المجتمع عبر سنه خطا معينا وجب على أي شاب إتباعه. ألا وهو ولوج جامعة عريقة يليه الحصول على شهادة عليا ومن ثم تحصيل وظيفة ذات راتب مهم يؤمن له معايير العيش الهني. وأخيرا الانتقال الى مرحلة تأسيس عش الزوجية الذهبي وإنجاب أطفال يترعرعون وفق نفس الأفكار ومنهجية العيش الرتيبة التي فرضها مجتمع لم يعطي أهمية لقيمة المرء وجوهره، مما أدى الى تدمير كيان عدد كبير من الشباب وتحطيم ثقته بنفسه وقدراته وذلك بسبب المقارنة بالغير وإهانة تفرده واختلافه الخلاق الذي يميزه عن محيطه علما أن أكثر ما يدمر الانسان هو التقليل من قدراته وتحقير قيمته ووضعه دائما محط مقارنة تقلل من شأنه وقدره. ولكي يتمكن المرء من تخطي مجموع الأفكار السلبية والبرمجة المسبقة التي ترسخت في ذهنه والمضي قدما في حياته لتحقيق ما يطمح إليه وجب عليه إدراك قدراته الخفية الكامنة بداخله. فكل إنسان يملك هبة دفينة بداخله تنتظر اللحظة التي يتخذ فيها القرار لإيقاظها والوعي لأهميتها و