التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دوامة الأعذار




الأعذار! تلك المتاهة التي يلجأ إليها المرء بمحض إرادته، يوم يقرر بقناعة تامة، أنه ضعيف وغير قادر على مجابهة نظرات المجتمع له، أو الحد من تطاول ألسنة الناس اللادغة التي تخنقه بكلمات السخرية والاستهزاء، بسبب تجربة فشل صادفت دربه أو التشفي من جرح علم حياته في لحظة من لحظات ماضيه.
فالثغرات الموجودة في شخصيته وانعدام تقديره لذاته، جعلاه منكسرا أمام مجتمع انعدمت فيه الرحمة والرأفة بحال الغير. فيبقى ملاذه الوحيد هو الأعذار، التي يتخذ منها حصنا لحمايته من رماح كلام الناس القاتل، أو لعله يكون سبيلا لتليين قلوبهم وكسب تعاطفهم، حتى يقوموا بالتغاضي عن حاله، وتركه ودوامة أعذاره بسلام.
لكن شعور السلام الداخلي هذا، لا يطول استشعاره ممن يحتمي تحت ظلال الأعذار، ففي بادئ الأمر ينعم بطمأنينة وسكينة تريح خاطره، لكن بعد ذلك تتحول هذه المشاعر إلى فرامل تحول بينه وبين تطوير ذاته، وخروجه من منطقة الراحة الوهمية.
 فالحياة ليست جنة نعيم، بل هي لعبة مليئة بالمفاجآت والتحديات الصعبة التي لا يتحمل قساوتها أصحاب النفوس الهشة. فهي تتطلب قوة تحمل وحكمة تجعل من تجارب الماضي مهارة تزكي حاضر المرء ومستقبله. أما استمرار الإنسان في الاحتماء خلف الأعذار، تارة نفسية، وتارة أخرى مادية أو اجتماعية أو غيرها من الأنواع الأخرى. فسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى تحويل هذا الفعل من قرار إرادي إلى عادة تترسخ في بعده اللاواعي. فيصبح الإنسان رهينة سراب الأفكار والمخاوف السوداوية التي يصعب التحرر من شباكها بسهولة.

بثينة البحديدي 

تعليقات

  1. تحليل صائب و فلسفة يقبلها العقل. كل منا يمر بمرحلة في حياته يبحث خﻻلها عن مبررات قد تكون تافهة و هي فقط للهروب من مواجهة مشكل أو مشاكل معينة... أهنئك و أتمنى أن تستمري في الكتابة ﻷن أسلوبك صحيح و سلس...أجمل متمنياتي لك بمزبد من التوفيق بعون الله.

    ردحذف
    الردود
    1. لكم منا جزيل الشكر و التقدير على تجاوبكم الرائع و كلماتكم المليئة بالتحفيز, على أمل أن ترتقي منشورات المدونة القادمة إلى مستوى توقعاتكم .

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرهاب الاجتماعي

يعد الرهاب الاجتماعي أو ما يطلق عليه بالقلق الاجتماعي، من أكثر الاضطرابات النفسية انتشارا في العالم. فالعديد من الناس يخوضون معارك يومية مع هذا المرض، دون أن يدركوا ماهيته وحقيقته. وهنالك من يخلط بينه وبين الخجل المفرط أو التوتر العابر. لكن ما هو التعريف الحقيقي للرهاب الاجتماعي وما هي الأعراض التي تمكننا من اكتشافه وتشخيصه؟ الرهاب الاجتماعي، هو مرض نفسي ينتج عنه هالة من القلق والخوف اللذان يتملكان كيان الإنسان  ويسيطران على عقله. وهذا ينعكس تلقائيا على سلوكه وتصرفاته خاصة في المواقف التي تجعل منه محط أنظار الناس وعرضة لتقييمهم وانتقاداتهم. لذلك نجد المصابين بالرهاب الاجتماعي، يتفادون بشكل دائم اللقاءات والتجمعات التي تجعلهم في احتكاك مباشر مع الاخرين. متجنبين أيضا التعبير عن آرائهم وخوض نقاشات أو أحاديث معهم، وإن وضعوا في موقف يتطلب منهم الكلام أمام الناس، انعكس القلق والتوتر على أسلوبهم التعبيري. فتصبح لديهم صعوبة في التعبير بطلاقة والتحدث بطريقة واضحة، حتى أن وتيرة الكلام لديهم تصبح سريعة جدا وغير مفهومة. وتظهر على أصحاب الرهاب الاجتماعي أعراض أخرى على المستوى ال

شخصيات ألهمتني : المعماري العصامي

شخصيات ألهمتني :  المعماري العصامي   عندما نتحدث عن العصامية والتعليم الذاتي في مجال العمارة، لا بد أن يتبادر لأذهاننا اسم " تاداو أندو   Tadao Ando ». المعماري العصامي، الذي واجه الصعاب حتى تمكن من نحث اسمه وسط ألمع المعماريين في العالم. ولد" تاداو أندو"  عام 1941 م ،  في اليابان وتحديدا في "أوساكا Osaka  "، ترعرع في وسط عائلي جد متواضع. خلال نشأته كان يرتاد كثيرا ورش الحرفيين في منطقته ويتشرب أصول صنعتهم وهذا سينعكس بشكل مهم على مسيرته المهنية فيما بعد. في سن 17 عاما، امتهن " تاداو" مجال الملاكمة. ورغم احترافه هذا الميدان، لم تنطفئ نيران شغفه اتجاه عالم العمارة. لكن قانون الحياة لا يسهل دائما تحقيق الأمنيات، وفي العديد من الأوقات تجري الرياح بما لا تشتهي سفن الرغبات. فالحالة المادية " لتاداو أندو" آنذاك، لم تتح له الفرصة لدراسة العمارة في الجامعة. لكن رغم هذا كله، لم يتوقف عن مطاردة الفرص لتحقيق مبتغاه.   فبدل أن يدرس كأي طالب عادي في مدرجات الجامعة، سلك دربا آخرا تكللته صعوبات أكبر، لكن الأهم أن الطريق الذي اخت